المراهقة: خصائص المرحلة ومشكلاتها



تعريف مراحل المراهقة Defenition of Adolescent Stages

تعرف مرحلة المراهقة بأنها إحدى المراحل العمرية التى تلى مراحل الطفولة مباشرة، ويرى علماء النفس النمو والارتقاء ان هذه المرحلة تتسم بتغيرات متعددة ومختلفة ومتباينة، بحيث تمتد هذه التغيرات لتشمل الجانب النفسي، والسمات الشخصية، والجانب الانفعالى والوجدانى، والجانب السلوكي، وأيضاً الجانب البيولوجي العضوى. وتنقسم مرحلة المراهقة إلى ثلاث مراحل أساسية، نوجزها فيما يلى:

أولاً: مرحلة المراهقة المبكرة Early Adolescent Stage

تمتد فترة المراهقة المبكّرة بين عمر 11 و13 سنة، وتتسم هذه المرحلة بوجود عدة تغيرات تحدث بشكل سريع ومتلاحق على المستوى النفسي، والبيولوجي العضوى، وعلى المستوى المعرفى العقلى، وعلى المستوى الانفعالى الوجداني، وأيضاً على المستوى السلوكى، فمن بين هذه التغيرات السريعة على المستوى البيولوجي العضوى، نجد بعض التغيرات التى تحدث فى مستوى افراز نشاط الغدد الصماء فى جسم المراهق سواء كان ذكر أو أنثى، وذلك تمهيدا للبلوغ والنضج الجنسي، ونتيجة هذه التغيرات المتلاحقة، تنشأ بعض البذور والعلامات الجلدية على الوجه، كما يحدث زيادة فى حجم القدمين، وراحتى اليدين، وتأخذ الأنف فى التفلطح والنمو بشكل ملحوظ، الأمر الذى بدوره يؤثر على الجانب المعرفى الوجدانى والسلوكى فى شخصية المراهق، فنجده يميل إلى الاستقلالية، والرغبة فى التحرر من أوامر وسلطة الوالدين، والمدرسة، بل والأكثر من ذلك نجد سلوك يميل إلى التقرب نحو جماعة الأقران والأصدقاء أكثر من الأسرة، كما يتغير لديه مفهوم النموذج الذى كان يحاكيه خلال الطفولة عنه فى المراهقة، فإذا كان فى الطفولة ينجذب الفرد نحو النماذج الخيالية من قبيل الشخصيات الكرتونية، ففى المراهقة الأمر يختلف حيث يتغير النموذج الذى ينشده المراهق تغيرا جوهرياً، فقد يميل إلى النماذج الفريدة غير التقليدية، والاستقلالية التامة، والنماذج ذات الطباع القيادى، المر الذى ينعكس على رغبته فى التخفف من وطأة الفروض والمعايير الأسرية من قبل الوالدين خاصة إذا كانت توجه إليه بشكل مباشر، ومن ضمن مظاهر هذه الاستقلالية فى التفكير، كثر الجدل، والمناقشات الجدلية، التى يفيد مضمونها بأنه أصبح راشداً واعياً لمصالحه أكثر من أى شخص أخر سواء داخل المحيط الأسرى أو خارجه، الأمر الذى بدوره لا يتقبله الوالدين فتنشأ الصراعات المتلاحقة والمتكررة التى تدفع المراهق إلى العصبية، والاندفاعية فى السلوك، ونحو مزيد من الانتماء إلى جامعة الأقران. ومن هنا تبرز أولى عوامل الخطورة؛ فإذا كانت جماعة الأقران تتجه نحو تبنى سلوكيات سلبية لا تتوافق ومعايير المجتمع، مثل التدخين، أو تعاطى المواد المخدرة، أو الكحوليات، والانحرافات السلوكية الأخرى كاتحرشات الجنسية، أو السرقة، وغيرها، فنجد كثير من المراهقين حتى يندمجوا وسط جماعة الأقران فإنه يكون مضطر لأن يحاكى سلوكهم، ويشاركهم فيه حتى لا يكون عرضه للسخرية والنقد، والرفض، وبذلك يشعر أنه مرفوض من جانبين الأسرة نتيجه لعدم امتثاله لأوامرها وفروضها من ناحية، وجماعة الأقران نتيجه لعدم رغبته فى مشاركتها سلوك أفرادها من ناحية أخرى، الأمر الذى فى النهاية يدفعه إلى الاندماج فى سلوك جماعة الأقران.

ثانياً: مرحلة المراهقة المتوسطة أو الوسطى Moderate Adolescent Stage

وتمتد مرحلة المراهقة المتوسطة فى الفترة العمرية من 14 إلى 16 سنة، وفيها تكتمل كافة التغيرات الهرمونية والعضوية خاصة على مستوى الغدد الجنسية، لتشهد هذه المرحلة ما يعرف بالنضج والبلوغ الجنسي Sexual Maturation Phase والذى يتمثل لدى الذكور فى الحٌلم، ولدى الإناث فى بداية الطمث وتكوين نظام البويضات Overation System، وتتسم هذه المرحلة يتغيرات جوهرية فى شخصية المراهق تتفق والتغيرات البيولوجية فى جسمه، بحيث نجد المراهق الذكر ضمن هذه المرحلة أصبح تفكيره يتجه نحو ذاته وما ألم به من تغيرات ظاهرة، كنمو شعر اللحيه، والشارب، والصدر، وغلاظة الصوت، وتغيرات أخرى لا يلاحظها إلا المراهق ذاته من نمو وعاء الصفن الحامل للخصيتين، ونمو العضو الذكرى أو ما يعرف علمياً Penis Development من حيث الطول، وصلابة الانتصاب، والحجم، والسائل المنوى المنبعث منه، ومدى ارتباط الانتصاب فى العضو الذكرى بالاستثارة الجنسية نتيجة التفكير أو الخيلات البصرية الجنسية Sexual Thoughts and visualisation، ويبدأ هنا يتكون ما يعرف بالهوية الجنسية الذكورية Masculine Gender Identity، بحيث يشعر أن هويته الجنسية كاملة الذكورة وأن احتياجه الجنسي لا سبيل لاشباعه إلا الأنثى (وذلك بالطبع ضمن الحدود السوية غير المرضية). أما الأنثى ضمن هذه المرحلة فتبدأ هى الأخرى بالشعور بالتغيرات الهرمونية فى جسدها وتفاجئ بتفاقم هذه التغيرات بمجرد حدوث أول دورة طمث لديها، وتبدأ بعد ذلك فى الشعور بأعراض ما قبل الطمث أو ما يعرف طبياً Premenstrual Syndrome PMS، والتى تشمل الجانب النفسي، والمزاجى، والبيولوجي، لدى الأنثى، ومن بينها ألام أسفل البطن، والصداع، وزيادة أو ضعف الميل للتغذية، هذا بالإضافة إلى التقلبات المزاجية، والشعور بالتعب، والارهاق، والشعور بالتوتر والقلق، وزيادة الرغبة الجنسية لدى بعض الإناث، وبالمثل أيضاً تبدأ الهوية الجنسية الأنثوية Feminine Gender Identity فى التبلور بشكل كامل، بحيث تشعر الأنثى أن هويتها الجنسية باتت كاملة الأنوثة وأن احتياجها الجنسي لا سبيل لاشباعه إلا الذكر (وذلك بالطبع ضمن الحدود السوية غير المرضية). وكلاهما فى هذه المرحلة تكون لديه الرغبة فى تكوين علاقات اجتماعية وصداقات، بالإضافة إلى أنه إذا ما اندمج المراهق ضمن جماعة أقران تتسم بسلوكيات سلبية غير توافقية مع المعايير الدينية والمجتمعية، فنجده قد يسلك بطريقة سلبية لكف أو خفض هذه الاحتياجات الجنسية لديه أو لديها، من بين هذه السلوكيات اللاتوافقية السلبية، والتى تدخل ضمن الاطار المرضى، الإفراط فى ممارسة العادة السرية Musterbation Addictive Behavior، أو مشاهدة الأفلام والمقاطع الجنسية Sexual Movies Addictive Behavior، أو الاتجاه نحو ممارسة الجنس الهاتفى Sexual Phone Addictive Behavior، أو الاتجاهة نحو الممارسات الجنسية المثلية Homosexuality، وغيرها من الاضطرابات اللاتوافقية، والتى ما إن تركت دون تدخل علاجى تفاقمت وكان لها أثارها السلبي على كلا الوظائف النفسية والعضوية معاً. ونتيجة ماسبق يتزايد فى هذه المرحلة النازع الدينى، وإدراك المراهق له، بحيث تُقوم الفروض والأحكام والأوامر والنواهى الدينية وتحكم النزعات والاحتياجات الجنسية لدى المراهق، بل والأكثر من ذلك ينشأ صراع داخلى بين إشباع الاحتياجات الذاتية الجنسية من ناحية، وبين الازعان والامتثال لأحكام الدين والله ـ والتى تتفق والمعايير الاجتماعية ـ من ناحية أخرى، الأمر الذى يدفع المراهق سواء ذكر أو أنثى، إلى خفض اشباع احتياجه الجنسي، بمزيد من إشباع احتياجه الدينى واحتياجه لإرضاء الله عز وجل. وفى ذلك يقول الإمام الحسن البصري "من لم يشغل نفسه بالحق، شغلته نفسه بالباطل"، ومن ثم يدرك أنه لا تعارض بين الجانب الديني والجانب الذاتى، حيث بإمكانه إشباع الاحتياجات الجنسية ضمن الإطار الديني عن طريق الزواج فى مرحلة لاحقة من حياته، بمجرد أن يستطع الباءة أو القدرة، وفى هذا يقول خير الأنام (صلى الله عليه وسلم) "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطيع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" رواه البخارى ومسلم.

مرحلة المراهقة المتأخرة Late Adolescent Stage

وتمتد مرحلة المراهقة المتأخرة فى الفترة العمرية من 17 إلى 20 سنة، وفيه تتبلور شخصية المراهق بشكل نهائي، وتستقر بشكل نسبي سماته الشخصية والسلوكية التى اكتسابها خلال مراحل الطفولة والمراهقة السابقة، وفى هذه المرحلة تحدث تغيرات جوهرية على المستوى المعرفى العقلى، والمستوى الانفعالى الوجدانى، وأيضاص على المستوى السلوكى، بحيث تتكون فى هذه المرحلة المفاهيم المجردة بشكل أعمق لدى المراهق، فتبدأ تتكون لديه مفاهيم الحق، والخير، والعدل، والإيمان، والقضاء والقدر، ومعنى الدين، والثواب والعقاب، ومعنى العمل والصحة وقيمتهما، ومعنى الأسرة، والمجتمع، والسٌلطة، والأدوار الاجتماعية، والمستقبل، والنموذج، والقيادة، إلى أخره من المفاهيم ذات الطابع المجرد غير العياني أو المادى، ولهذه المفاهيم المجردة، الدور الأكبر فى توجيه سلوك المراهق، التوجيه السليم، كما لها الدور الأكبر فى خفض انفعالاته، وتقويم وتهذيب احتياجاته الجنسية، والمادية، خاصة إذا كان ضمن أسرة متوافقة يقل فيها الخلافات، وتنعدم فيها الصراعات ومظاهر العنف، ومن ثم تتبلور شخصية المراهق نحو تحديد أهدافه المستقبلية الحياتية، والسعى نحو تحقيقها، والاستعداد لمواجهة الصعوبات فى طريق تحقيق أهدافه والتعامل معها بشكل ايجابي، وذلك استعداداً لاستقبال أولى مراحل الرشد المبكر وتحقيق الذات واقعياً.

ومن بين الأخطار التى تحيط بالمراهق ما يلى
1-التدخين والذى يُعد من أكثر المشكلات انتشاراً بين المراهقين.
2-تعاطى المواد المخدرة وإدمان الكحوليات.
3-الصراعات النفسية والسلوكية المتلاحقة.
4-سوء استخدام العقاقير خاصة المنشطات أو المعروفة علمياً باسم Amphetamines.
5-صعوبات التعلم والتحصيل الدراسى.

هذا إلى جانب بعض المشكلات والاضطرابات النفسية الأخرى يُذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر اضطرابات السلوك، والنوم، واضطرابات الأكل، والسلوكيات العدوانية، واضطرابات الشخصية، والاضطرابات المزاجية.
وللتعامل والوقاية من هذه المشكلات يجب على الوالدين بل وأيضاً على جميع أفراد الأسرة بما فيها المراهق نفسه، فهم طبيعة مرحلة المراهقة ومدى عمق احتياجاتها المختلفة، هذا بالإضافة إلى مشاركة المراهق التعبير عن احتياجاته النفسية، والاجتماعية، دون تحفظ أو نقد أو سخرية، والسماح له بالتعبير عن الذات، وإعطاءه الحيز المناسب من الشعور بالاستقلالية، هذا إلى جانب تنمية مهاراته الذاتية، وسماته الشخصية الايجابية، والحث على فهم طبيعة التغيرات التى تنتابه خلال هذه المراحل، وتنمية الوازع الديني لديه، وتفعيل مهاراته الشخصية، ضمن جماعة أقران تتسم بالسواء والصحة النفسية، وبيئة تنشئة أسرية تتسم بالمشاركة والتفاعل والتدعيم، وبذلك نضمن الانتقال من هذه المرحلة إلى مراحل الرشد بشكل يغلب عليه السواء بعيدا عن المرض والاضطراب النفسي.

مراحل المراهقة فى علم النفس النمو والارتقاء والطب النفسي

1 commentaires:

شكرا لمروركم hoda elamen

Enregistrer un commentaire

FaceBook Comments